عباس شومان

 كورونا بين الإفتاء المنفلت والخيال الجامح

السبت، 25 أبريل 2020 08:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
من المعلوم أن صناعة الفتوى صناعة ثقيلة، وليست كلاما مباحا لكل من أراد، فالمفتى وأقصد به من يتصدى للفتوى اشترط فيه بعض الفقهاء شروط الاجتهاد، وهى كثيرة جدا عجز كثير من كبار علماء السلف عن تحصيلها كاملة، مع أن الواحد منهم بأمة من علماء زماننا، وسواء شرطت فى المفتى شروط الاجتهاد كاملة  أم لا؛ فيلزمه التبحر فى علوم كثيرة وليس علم الفقه وحده، فمن الضرورى علمه باللغة العربية فهى لغة النصوص التى تستنبط منها الأحكام، وفيها الكثير من المباحث  التى تؤثر تأثيرا مباشرا على نوع الحكم المستنبط من النص، وكذا يلزم اتقانه لعلم أصول الفقه ومباحثه المتعلقة بالألفاظ واستخداماتها من حيث الحقيقة والمجاز، والعموم والخصوص، والإجمال والتفصيل، ومصادر الاستدلال من القرآن والسنة والإجماع والقياس، وما يقارب العشرين من المصادر المختلف فيها بين العلماء، كما يلزمه معرفة علوم الحديث، والمصطلح، والرجال، وأن يكون عالما بآيات وأحاديث الأحكام محكمها ومنسوخها، ومباحث يصعب على كثيرين فى زماننا عدها فضلا عن اتقانها، كما يلزم المفتى أن يكون عالما بالأحكام المرتبطة بعلل معينة تدور معها وجودا وعدما، وتلك القطعيّة غير المعللة والتى لا تتغير ولا تتبدل بتغير الأحوال، ومما يلزم المتصدى للإفتاء العلم بواقع الناس وما يصلح لهم ويناسب حالهم وأعرافهم وقدراتهم، وقبل ذلك كله أن يكون المفتى ملتزما بأحكام إسلامنا وشريعته، معروفا بالصلاح والورع بين الناس.
 
والعجب كل العجب أن نرى فى زماننا من يفتى فتاوى لا يعرف العلماء لها سندا، ولا تجرى على قواعد النظر الصحيح التى يعرفها المتخصصون، فما سمعنا عن السابقين عن منهج فقهى اسمه: كن أنت فقيه نفسك!، ولكنه اختراع حصرى لبعض المعاصرين، وهو ما فتح الباب لفريق من غير المؤهلين تجرؤا على شرع الله واقتحموا ميادين الفتوى فخاضوا فيها وأطلقوا العنان لخيالهم وكأنهم يكتبون رواية أو قصة، ليس هذا فحسب بل يتمادى هذا الأخير فيطالب أهل الاختصاص بالتنحى جانبا تاركين المجال لأمثاله، ودليل فساد المسلكين هذا التطابق بين الفتاوى المتحررة عن الضوابط  المرعيّة التى لا ترقى لمستوى الفتاوى الشاذة، مع الآراء التى يصدرها  المتطفلون على ميادين الفتوى ،وابرز مثال لهذا النتاج المشوّه  اتفاقهما  على جواز الفطر فى رمضان لمجرد خوف الإصابة بكورونا، وإذا كان الكاتب قد عُرف بالتعرض لثوابت دينية وترديد  لكلام صهيونى متطرف يدعى مردخاى كيدار أستاذ الدراسات العربية والإسلامية بجامعة بار إيلان الصهيونية، فيما يتعلق بالإسراء والمعراج والقدس، حصل به على تهليل ومدح وشكر من الصهاينة قد يقوده إلى نوبل لتبقى وصمة عار على جبينه كلما ذكر فى الأجيال المقبلة، فها هو يتفوق على صاحب مذهب كن أنت فقيه نفسك! فيطالب بترك المعاشرة بين الزوجين، دون سند علمى أو رجوع لأهل الاختصاص، وفى مخالفة صريحة لقوله – تعالى: «نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم»، ويتفق الرجلان على عدم الاعتداد برأى الأطباء فالخائف هو الذى يصوم وليس الطبيب!، ولست أدرى هل طالع هؤلاء  ما يطول الكلام بحصره من آيات فى كتاب ربنا ومنه: «قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ»، «فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِى أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا»، «فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِى شَىءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا» ورده إلى الله ورسوله رد لكتاب الله وسنة نبيه ولا يكون ذلك إلا عن طريق الراسخين فى العلم.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة